من تطوان إلى سيدي علوان (1 من 5)
المغرب
: مصطفى منيغ
البعض كلما تعاظمت "المقاطعة"
المغربية فاسحة المجال لتنفيذ الشعب المغربي الشجاع حفظه الله ورعاه إرادته معتمدا
بعد الله الحي القيوم ذي الجلال والإكرام على نفسه بعيدا عن أحزاب وسياسيين فقدوا
مصداقية ما يأتي عن طريقهم أصلا ، وانتشرت نجاحاتها خاطب من يخاطب مذكِّراً دون أن
يكون لذلك بالقطع مُؤهَّلاً، بما تعاني منه "تونس" من اضطرابات اجتماعية
أخَّرتها وشعبها عشرات السنين إلى الوراء ولن يكون استرجاع مقوماتها ومنها الحضور
المميز كدولة أمراً سهلاً، وثرثرة من هذا القبيل تبخس الثورة التونسية حق مقامها
في التغيير صوب الأفضل قي جو ديمقراطي أراح الاشقاء الأعزاء من ويلات طغيان رئيس قرر
الفرار خوفا مما كان ينتظره من حساب عسير يتذوق مرارته بالقانون وزوجته التي
اعتبرت نفسها كيلوباترا مصر زمانها مضافة لبلقيس اليمن وهي ومن معها مجرد ألقاب في حالة
مدنية ابتُليت بهم الإدارة التونسية الرسمية في العصر البائد غير المأسوف عليه
حملة وتفصيلا . طبعا ظل ذاك الخطاب المنكر والدافع إليه محاولات تخويف الشعب
المغربي مظهرياً أما جوهريا ًفمجرد ترفيه عن نفسهم باصطناع افتراءات ضاعفت من
درجات عجزهم في تدبير شون هذه المملكة الذين أصبحوا بمثابة العبء الثقيل على
نظامها والمفروض فيهم الآن وبدون تأخير الابتعاد عن مناصب لم تشهد معهم سوى
استغلال نفوذ ّأوصلت البلاد إلى هذا الحال الذي لا تُحسد عليه كأضعف إيمان، أما
الفرار فقد سبق الأحرار المغاربة المكرسون وقتهم بالطول والعرض للدفاع عن مصالح
الوطن أن أشاروا بأسمائهم لمختلف المنظمات
العالمية لتكون مستعدة في إطار القوانين الدولية المعمول بها في هذا الصدد لتقديم
كل العون كواجب انساني تأسست من أجل تقديمه مهما كانت العوائق أو الظروف حاضرا و
مستقبلا.
مهما بدت للمتشككين الصورة غامضة فالبأس كامن في جهلهم حقيقة
التونسيين الأحرار، الغير خاضعين قهرا لأطول انتظار ، بل هي توابع ثورة فيها
العادي احتار ، تفعل بمن شاء التقهقر للوراء ما قد يُفَسَّرُ بالإخطار ، ولو أعجبه
بالعناد ما اتخذه من مسار ، فالشعب التونسي لا زال صاحب بل سيد القرار.
... بعد الثورة زرت تونس للإطلاع مباشرة عن الأحوال هناك بما يهمني
من رغبة التأريخ لأولى خطوات تلك المرحلة ، فلم أجد إلا ما ركز في ذهني أن تونس لم
تكن مهانة في صبرها معدومة التفكير في مصيرها ، ما أن قامت حتى انتهى عهد مصاصي
خيرها مسترجعة ما يخصها حكما وتدبيرا ورؤية تخطيط محكم لمستقبل بالخير مفعم ، لا
مكان فيه لمستبد ولا مستحوذ على ثروة وطنية ، فجاء ما نشرته ساعتها مطابقا للواقع
محددا الخطوط العريضة لتعاون مجدي نافع مهما كان الميدان يقبل عليه كل واثق من
نفسه وبخاصة صنف من الحكام عليهم تغيير العقلية للتقرب من الديمقراطية إذ لا حيلة
مع شعب محكوم بالقهر والتسلط والنهب الممنهج إن قام قومته المنتهية بما انتهت إليه
ثورة تونس المجيدة.
حيثُ كتبتُ بالحرف الواحد:
الثورة التونسية بخير والتونسيون أخيار ، دعاة سلم وعيش لا يضايق
الجار ، يعشقون الحرية والسيادة بمعناها الشرعي لدولتهم مستقبلا كما يخطط لها
الحاضر بالتدبير المتفق عليه وبالإرادة السياسية التونسية في الجوهر كالسطح مختار،
لا يهم بعض الوقت فالأمر جلل وليس قضية ليلة يتبعها نهار ، وكما نرى لا تفريط في
المبادئ ولا تماسك ولو في الأدنى انهار ، هو ميلاد طبيعي يتخلله المد والجزر
نهايته لكل الشعب التونسي العظيم أسمى انتصار ، ثمة اكراهات فالزمن البائد شيد
بالضغط وللضغط منها سدا مملوءا بما لو تصدع لحصل أفظع انفجار، لذا الحكمة التونسية
قائمة تعطي حسب ما يقتضيه الإصلاح التدريجي إذ الهدم سهل ميسور أما البناء من الأساس
فتقويمه أعداد متبوعة بتسعة أصفار ، وحمدا لله أن عجلة الحركة الاقتصادية متغلبة
لحد ما على الخصاص ريثما تعود الأمور لما يتطلبه الاستثمار ، من هدوء وتعاقد بأنجع
حوار، وقبل هذا وذاك نعمة الاستقرار .
التونسيون لحد اللحظة متحكمون في مصيرهم يتناقشون في أهم الاجتماعات ، يتزاحمون في أوسع كأضيق الطرقات، يتنافسون بغيرة وطنية على أرفع المناصب لتحمل العسير من المسؤوليات ، يتخاصم بعض الضعفاء مع بعض الأقوياء والعكس صحيح لكن في حدود المُطاق لتعود السياسة لدى الفرقاء محك اجتهاد لينعم الشعب بما يطمح إليه من نماء تصاعدي يضيف للقيم قيمة ايجابية تعود بالنفع على الصالح العام .
ما يحصل أو هو حاصل بالفعل فكر يتكيف مع المستجدات، تونس قبل الثورة لن تكون بعدها إلا بإرادة شعبية لن ترضى التراجع عن المكتسبات، المحققة ومنها أن يحكم التونسيون أنفسهم من طرف تونسيين في مستواهم الإنساني بالعربي الفصيح ، بالتأكيد المستويات متباينة من حيث المعرفة والتعليم والقدرات الفكرية والتخصصات الميدانية الحرفية المهنية ، لكن هذا لا يمنع أن يكون التونسيون ومن الجنسين يحظون بحقوقهم كاملة غير منقوصة وهذا ما يشكل الورش المستحوذ على العقول المدبرة للشؤون العمومية المشتغلة من جرائه على وضع القوانين ليتساوى حيالها الجميع أكان وزيرا المقصود أو الغفير، الكل أمام التكريم أو التغريم سواء ، طبعا هناك الصالح والطالح سنة كل مجتمع على وجه البسيطة ، لكن التمادي في الغي والجور والظلم ، فهذا أمر مرفوض بحق التضحيات التي بذلها الشعب من أجل الترفع على مثل التجاوزات التي أراد بها الحاكم الخلود على أعناق المواطنين بما يقتات من عرقهم وما يحصده من زرعهم.
التونسيون لحد اللحظة متحكمون في مصيرهم يتناقشون في أهم الاجتماعات ، يتزاحمون في أوسع كأضيق الطرقات، يتنافسون بغيرة وطنية على أرفع المناصب لتحمل العسير من المسؤوليات ، يتخاصم بعض الضعفاء مع بعض الأقوياء والعكس صحيح لكن في حدود المُطاق لتعود السياسة لدى الفرقاء محك اجتهاد لينعم الشعب بما يطمح إليه من نماء تصاعدي يضيف للقيم قيمة ايجابية تعود بالنفع على الصالح العام .
ما يحصل أو هو حاصل بالفعل فكر يتكيف مع المستجدات، تونس قبل الثورة لن تكون بعدها إلا بإرادة شعبية لن ترضى التراجع عن المكتسبات، المحققة ومنها أن يحكم التونسيون أنفسهم من طرف تونسيين في مستواهم الإنساني بالعربي الفصيح ، بالتأكيد المستويات متباينة من حيث المعرفة والتعليم والقدرات الفكرية والتخصصات الميدانية الحرفية المهنية ، لكن هذا لا يمنع أن يكون التونسيون ومن الجنسين يحظون بحقوقهم كاملة غير منقوصة وهذا ما يشكل الورش المستحوذ على العقول المدبرة للشؤون العمومية المشتغلة من جرائه على وضع القوانين ليتساوى حيالها الجميع أكان وزيرا المقصود أو الغفير، الكل أمام التكريم أو التغريم سواء ، طبعا هناك الصالح والطالح سنة كل مجتمع على وجه البسيطة ، لكن التمادي في الغي والجور والظلم ، فهذا أمر مرفوض بحق التضحيات التي بذلها الشعب من أجل الترفع على مثل التجاوزات التي أراد بها الحاكم الخلود على أعناق المواطنين بما يقتات من عرقهم وما يحصده من زرعهم.
... وصلتُ إلى العاصمة تونس وكلي ثقة أنني واجد الحياة طبيعية من حيث
الخدمات وعمل المصالح الحكومية والهدوء في المقاهي والأمن على الطرقات، وهذا ما
لزمني من انطباع إلى أن غادرت عائدا إلى وطني المغرب . بعض الناس أحيانا تترجم ما
تشاهده في بعض القنوات الفضائية أنه يغطي كل متر في البلد ، والحقيقة غير ذلك
تماما ، قد يحصل اصطدام ما بين رجال الأمن والمتظاهرين في شوارع معينة ولكنها ليست
كل المدينة ، تهويل الأمور شيء والواقع شيء آخر ، لا يمكن مقارنة ما يحصل بين
الفينة والأخرى في عاصمة تونس بما يقع في عاصمة سوريا دمشق ، هنا الثورة أخلاق
وفضيلة وتمسك بالحفاظ على ممتلكات الشعب ، في سوريا إجرام حقيقي وقتل بأرقام مهولة
كل يوم ، وتخريب ودمار 24 ساعة على 24 ساعة ، تونس غير ذلك تماما والتونسيون
حاسمون أمرهم بجدية ، وإن كان هناك انفلاتات فتبقى شخصية يتحمل مسؤولياتها متشددون
لهم أفكار خاصة يعتنقونها ومذاهب مميزة يرونها الأليق بهم ولا يريدون عن تعصب
بغيرها بديلا لدرجة اصفرت عن اغتيالات لا تمت بصلة لأخلاقيات الشعب التونسي
المتحضر الكريم . في تونس لم أشعر بالغربة تجولت بحرية في شارعي محمد الخامس
والحبيب برقيبة كما فعلت ذلك في دروب المدينة القديمة التي استطيع القول أنها لا
تختلف عن دروب فاس العتيقة إلا من حيث الأسماء ، ولجت الوزارة الأولى أو مقر رئاسة
الحكومة كأنني أدخل أية بناية لعمالة أو ولاية في المغرب ، ما منعتني قيود ولا
حاصرتني موانع ، حالما يتيقن المسؤول أنني صحفي حتى أعامَلَ بترحيب مثالي واحترام
صادق وسماح لأحاور مَن شئت وأصور أي ركن يتمم ما اكتب من انطباع أو خاطرة أو مقال
أدون فيه ما مَثُلَ أمامي أو ما حصلت عليه من تلك الإدارة الحكومية أو هذه المؤسسة
الخاصة ، وبالمناسبة حكومة تونس لا وزير فيها يحمل حقيبة الإعلام ، حتى الوزارة
الأولى لها مستشارها الإعلامي ومساعدوه في جناح خاص أغلبيتهم أصبحوا أصدقاء لي أكن
لهم التقدير.
.... طبعا زرت حزب النهضة ، الحزب الحاكم حتى اللحظة ، واستُقبلتُ من طرف
رئيسه وزعيمه الروحي الأستاذ راشد الغنوشي وأجريت معه حوارا وإن اختصر على نقطتين
فقد خرجت منه بقاعدة لن أتخلى عنها مهما حصل أن دولة فيها الشيخ الغنوشي دولة
محظوظة وقادرة للتغلب على مجمل التحديات المدسوسة من طرف فلول النظام السابق ،
الرجل على قدر كبير من تواضع العظماء ، حريص على الدقة في التنظيم ، والتفكير قبل
النطق ، والتأثير المفعم بحب الخير للجميع ، وعدم الراحة حتى القيام بما ينتظره من
واجب ، منصف متى طُُرِِق بابه ، ولا يخشى سوى الله الحي القيوم ذي الجلال والإكرام
، مثقف لأبعد الحدود وتونسي لأعمق الجذور وتواصل الجدود . جاءت زيارتي له مقرونة
مع حضور السفير الإيراني في تونس ، في لحظة طرق انتباهي أن إيران تسعى لضم تونس في
شخص الشيخ الغنوشي لمحيطها السياسي ، لكنني لمست بحدسي أن تونس متمسكة بأمر واحد
يشغلها أكثر ، أن ينهي المجلس التأسيسي أعماله في أحسن الظروف ، وأن يُقدم مشروع
الدستور للمناقشة الوطنية بمشاركة كل الأحزاب والنقابات والجمعيات والفعاليات
المستقلة دون إقصاء أحد لأنها نتاج ثورة ناجحة يفرز تأسيس دولة عريقة في المجد على
أسس حديثة صلبة تؤهلها لانطلاقة مباركة صوب طليعة الدول المتقدمة القادرة على
إسعاد مواطنيها بما يكفل لهم العيش الكريم بشرف وعزة نفس.(ستبع)
في
الصورة : الزعيم التونسي الغنوشي في لقاء مع مصطفى منيغ
مثطفى منيغ
من أسوان إلى تطوان 2
أسوان : مصطفى منيغ
على أرضها المباركة المَُبلَّلَةِ بعَرَقِ
ملايين البشر عبيداً شيَّدوا ، من الجماد معجزات ومع رحلة الزمن عَبْرَ أحفادهم
جيلا ًبعد جيل تمَرَّدوا، كخير سَلَف لاقوى خلف أصبحوا، وأسياداًً سادوا، تحت مسمَّيات
تمحي ما تقدَّم منها سابقتها وبالتالي كلهم بادوا ، مذ كانت "أسوان" إلى
دخول الاسلام ليبدأ فيها أولى صفحات الايمان آخرها عايشت تأسيس "الأزهر"
الشريف يُبقي للدين السمح الحنيف هيبته في بيوت الله مهما كانت الديار في القارات
الحمس وإلى الآن وأنا من الضفة الغربية ممّن صَوبها فوق "خزان أسوان" عبروا،
شاعراًً بالغريب العجيب سادني مُعَبِّراً على لساني : من تَسَنَّى له الحضور
إلى "هنا" أمامه خياران لا ثالث لهما أن يحب مصر الحب الحقيقى لا
مكان فيه للإنحياز السياسي الراكب على تمرير اتجاه باتجاه ثاني أو التطبيل لجهة
معينة جهراً والتزمير لاخرى سراً أكان الدافع واضحا أو مرموزاً ، أن يحب مصر
ويحترم "صعيدها" بما فيه من أخلاقيات
وأعراف وشيم تمثل واجهة الرجولة الفذة، والحمد على النعمة، والإكتفاء
بالحلال مهما قدم الأخير لصاحبه أضيق خدمة، وأن يروي عطشه (كما رويتُ شخصياً عطشى)
بماء النيل مباشرة دون تصفية أو اضافة أي مادة كيماوية ، أما الخيار الثاني أن
يرحل ، وإن لم يفعل فمصر كفيلة بذلك عن أدب جمّ ، وألْسِنَة محلية تفوه بحلو نغم ،
بعد أداء واجب الزيارة .
أسوان ، لمصر الميلاد والتاريخ أدق وأعمق عنوان،
مَنْ وَصَلها بالخير عانقته بالاحضان ، عناق فؤاد أم الدنيا لمن دخلها بنية حسنة
وأمان ، لا تسألُ من أين أتيتََ ، بنباهتها
تحدِّد جنسيتك ، وتتصرف بهدوء وثقة في النفس معك، خلال اول لقاء ، بعدها
تمكِّنكَ من المقام الذي تختاره ليرحِّب بك أهله وكأنك من أفراد الأسرة ، ذاك سر
مرتبط بما سبق ذكره عن محبة مصر الحب الطبيعي البعيد عن مساحيق المجاملة العقيمة
واستغلال الفرص المجانية .
اسوان حزان للمعرفة والعلوم ، وسكنٌ
مريحٌ دائمٌ لمياه استمرار الحياة ليوم النشورالمعلوم، عاشقها مثلي يسمع لهدوء
سريان النيل النبيل لحناً يسبح لخالقه في ترنيمات يترجمها المنصت بقلبه تضرعات
للباري الوهاب أن يحفظ مصر وأهل مصر بما حفظ به القرآن الكريم ، فيها تحسُّ أنك
تلامس مع كل خطوة تتقدم بها نحو أول سد شيد (انطلاقا من سنة 1899 في عهد الخديوي
عباس حلمي الثاني كأكبر سد في عالم ذاك العصر، طوله 2141 وعرضه 9 أمتار ، تتخلله 180 بوابة
) أن خيالََ مَنْ طَواهُم الثَّرَى من سنين ساحقة في عمر الزمن يقدمون ما تشتهيه
من حماس البحث عن السر الدفين لحقيقة هذه الأرض .. إن كانت مسكونة مع بدء
البدء بالبشر وحسب .. أم بأرواح لا يعلم
شكلها ولا مهامها سوى الحي القيوم ، إذ ما وُجد كتراث ليظل حتى الفناء، مُلزَمٌ بتهيئ
الأساسات المعجزة صلبة تنأى به عن الزوال قبل ذاك الأوان المحسوم .
مصطفى
منسغ
Mustapha
Mounirh
سفير
السلام العالميتطوان فرصة ، مفاجأة
، إمعان
برشلونة : مصطفى
منيغ / Mustapha Mounirh
الشمال رأس الجسد المغربي عقله تطوان ،
مُستَقََرّ الحِكْمَة وأُنْموذَج جمال مكان ، مًحاط بما ابدعته تصاميم فنان ،
حالماً أرادَ مزجها بغرناطة إستلطافاً لمذاق الرُمَّان ، تخيَّلها تستحِق الأَحْسَن
، فزادها رونق بستان ، مُعلَّق بحضنها
في حنان ، اسمه "رياض عشاق"
أيام نزهة سَلْوان ، حينما كانت عاصمة اقليم يمتد نفوذ ترابه الإداري من
"وَزَّانْ"، لغاية "عَرْبَاوَة" نقطة تَمَاس الفرنسين
بالاسبان ، تاريخ توزيع احتلال المغرب بينهما كوكعة زمان .
تركتُ
فيها مِن العمر أجمل ما كان
،ناقشاً بين حاراتها العتيقة أحسن ما أفْشَى العِشق على لسان كروان ، ابيات
شعر
تنثر همسات شاب بين شرفات منازل لي فيها أوثق حكايات كتابٍ لم أجد له
ألْيَقَ
عُنوان ، تعود الذاكرة لتتمرغ بين أحداثها الحِسان ، لتحِن كلما دَنَا فصل
الاشتياق
لمَن كُنَّ كنجمات يتلألأ شعاع جمالهن في علياء خيال فَتَّان ، يصوِّر
بالكلمات
شَذَا اكليل جَمَعَ ورود الياسمين والريحان ، في عيني أسعد انسان ، نأى في
رحلة بحث عن استقرار دامت نصف العمر بين ديار الألمان ، وقبلها الإسبان ،
وأرز
لبنان ، فأثينا اليونان، لغاية عاصمة الأمريكان ، مروراً في الجزائر بمدينة
وهران
، في اتجاه القاهرة عاصمة العُربان ، وما ابعد طعم الماضي وقار شيخوخة عن
معاندة
قسوة النسيان . إذ بقيت عذراء المدن المغربية على دلالها بأثمن ما في
الحضارة
تتزَيَّن ، إن طالها غبار التهميش عهداً شابهها الذهب متى أخْرِجَ من
خَزَّان ،
زادته خيوط شمس الأهتمام كما جرى بها ما يُلحق الأصل الأصيل لمكانة لا
تتغير
باكراهات كانت للحرمان أتقل أوان ، مقبلة من تلقاء صبرها على صقل معالمها
لتعاود نفس اللمعان ، في حيوية
لم تستوطن غيرها مهما الصروف اقتحمت لإيقافها بما لم يكن في الحسبان ،
كالحاصل
مؤخراً مع وباء "كورونا" غير التارك حيلة إلاَّ وانفعل بها لتحريض
الحياة على الابدان ، فتنسلخ هذه عن تلك لتَضْحَى الأخيرة مُجَرّد جثامين
في قبور
مُسْتَعْجَل حفرها مُبْعَدَة زيارتها عمَّن كانوا لها الأقارب والخلان ،
لكنها تِطْوَان تتقن التكيُّف امتثالاً لضمان نجاة عن ذكاء
يترك مَن زاد عن الضروريات لتوقيت أخر يعمًّه الأمان ، لتنسحب محصِّنة
نفسها بما
يحفظها من بطش مجهول متجوِّل وسطها مختفي عن العيان ، يهجم كلما تَشَهَّى
رذاذ
سُعال مصابٍ صَدْر مُقربٍ ليلزمه ومن معه خلوة لا مَسْلك له منها إلا
باتجاهين
شفاء لمسايرة العمر، أو الاستقرار في قبر على شاكلة أعمق جحر،
الإخلاص لمرتع الصِّبَا في ديار غربة واجب الواجب ، لمن لأصله أَحَبَّ أن
يحِب ، بدون ذلك الحاضر كالغائب ، كالاتي غداً مجَرَّدَ سراب ، يُضفي على جسدٍ
متحرِّك غير واجد لعِلَّة وحدته طبيب ، يعيد وقفته باقتناع متجدِّدٍ عجيب ، يتلمس
بالعقل أنَّ الفؤاد لا يختَصّ بِدَخِّ دم الحياة فقط بل لضبط خفقان على وقع رضا
الضمير في تناغم مع تصرفات مكنتها التربية من التبات على وتيرة لا تزيع عما عُهِد
لها بالتمام .
... ما الصُدْفَة إلاَّ تَرتِيب مُسْبَق
يُدَغْدِغ الشعور الباطني فترة محسوبة تظل على مناسبة تنتظر ترخيص
الأقدار، لِتَتِمّ في لحظةٍ قد تكون في حاجة لمُعايَشَةِ حَدَثها، كي يخرجَ مَن
يخرِج حيث شاءت ارادته لأمر يحسه من زمان مضى ، وييجهل مفعوله مُستقبلاً ، كل
مجبول عمَّا ترسَّخ في ذهنه مع أولى خطوات لا يدري أين تسوقه خارج طرقات تَعلََّمَ
انطلاق أولاها من بيته فالعودة إليه صحبة طفلة الجيران ، فالثانية وقد التصقت
تضاريسها في عقله لينفرد متحملاً مسؤولية نفس التنقُّلِ ذهاباً واياباً ، وفوق
العاشرة تبدأ الرحلة منضبطة على قاعدة برنامج مُعِدٍّ بما تلقاه في البيت والمدرسة
وزقاق الحارة فالمدينة برمتها ، بعدها تتدخَّل فِطْرَة الاختيار المؤدي لنقش صفة
شخصيته الخاصة على جبين الزمن يُكَيِّفُها مهما وصل لما يريد بمحض ارادته ، أو لما
كَرِهَ مُنْساقاً خلف أخطاء ارتكبها عن حسن نية دون أن يقكر في حجم وقائعها السلبية
على مساره في حياة عند نقطة التوقُّف لمراجعة مباحة ، أو الاستمرار في مغامرة
لمستقبل جارحة .
إطالة التمَعُّن كقِصرهِ لا يفيد
المَعْني إلاَّ بقدر التجربة التي مَرَّ منها بدراية تُفَصِّل الوقائع حسب الأهمية
المُستَحَقَّة لكل منها على حدة، ومَبْلَغِ التأثير المَتروك على نفسيته مُحتِّماً
إياه باتخاذ موقف فرضت عليه الظروف التمعن ليتجه حيث يتحمل عبء اتجاهه ذاك، خيراً
صافِيَ المَظهرِ نَقِيَّ الجَوْفِ بما في الدارَيْن ينفع، مهما احتاج يَجد مَن
لحسناته يشفع ، أو خيراً مُبَطَّنَ السَّطْحِ بما يَلْمَع ، مُلَطَّخَ الجَوْهَرِ
بما يفزع حتى الفزع، متى ندم عثر عمَّن يبقيه العمر عيناه بالدم تَدْمَع .
المفاجأة تغيير المُعتاد بالأفضل أو
الأسوأ في توقيت سبقت برمجته اسباب لم تكتمل لما استعدَّت له أثناء مواجهة قد
تنتهي متى تمت ببسمة تحيي ما سبق بين طرفين أو باصطدام يضر أحدهما. في الواقع ما
اتَّخَذَتْهُ المفاجأة مِن مفهومٍ شائع ، لا ينقص أو يزيد عن ماضي لم ينتقل لحاضر
يتلاشى فيه أو لتأثير مميَّز لمستقبل كخلاصة تلزم شروحاُ تحبذ الذاكرة تخزينها
لتكرار الاستفادة منها كلما دعت الضرورة ذلك.
الصدفة / التمعن/ المفاجأة، مهما كان
الترتيب يفضي لنفس تقارب الواقع بما وقع عما وقع ليقع ما يقع، حالما يُوضع
المَعنَى المستخلص في سياق يعبر عن عمق فهم المراد تركيبه ، لمواجهة ما المفروض
مواحهته بما يستحق، ليبقى التأثير عند حده مهما تكرر وجوده، أو يتطور باعتبار الزمان والمكان في
حاضر لم يعد يعبأ بالماضي، إلاَّ بقدر تعلق بمستقبل مهيأ سعت مستجداته اسبدال
حقايق بأخرى ، دون حاجة لاعادة الاجتهاد مِن جديد على ضوء الثلاثي السابق
"الصدفة/ المفاجأة/ التمعن".
... لم أكن أنتظر أحدا حينما طرق بابي طارق ،
يتبين لي بعد فتح الباب أنها طارقة تجرأت على الطوارئ الصحية ، لتقحم نفسها في
مشاكل ملاحقة رجال الحراسة المدنية المقيَّدين في اسبانيا بتطبيق القانون بصرامة
دون امتثال لعاطفة ، وما أن قرأت الدهشة على محياي حتى بادرتني بتفسير عملها
الراغبة به استرجاع ذكرى لن يثنيها عائق دون اعادة أحداثها ، وكأن الزمان لا يعني
شيئاً مروره ، طال أو سَدَّ منافذ الفكر، عن تسرب ضوء سعادة تُنشِّط العقل ،
ليستقبل نفس الحدث الذي حدث من عقود بنفس
المتعة وكأنَّ الأمس البعيد التحم بيوم اليوم في سرعة تفوق سرعة الضوء بل أسرع ،
جلست بغير استئذان كأنها صاحبة البيت وأنا الضيف ، تصرف غير مألوف "هنا"
حيث خصوصيات الفرد مقدسة ، وما يريد يطبقه دون إلحاق الضرر بالآخر ، لكن مع
اللحظات وتمعن التظر، بانتباه لنفس المنظر، المتكرر في مرحلة في دارٍ غير منتسبة
لهذه الديار ، صرختُ مستفسراً أأنت "فلانة" ؟؟؟، لأجيب نفسي ، بالتأكيد
أنت فلانة ، طفلة الجيران ، اغرورقت عيناها بالدموع لتخاطبني بأدب جَمّ، كحالها
معي من زمان في مدينتينا تطوان :
- علمتُ برحيلكَ لمدينة أثينا
اليونانية فأدركتُ أن ترتيبَ الحُلُم أوصلنا لنَفَقٍ مسدود ، لم يكن أمامي إلا
مرافقة والدي في هجرة مطوَّلة للولايات المتحدة الأمريكية، هناك اشتغلت في مشروع
تجاري أقامه والدي لنعيش على مردوده في بحبوحة من العيش، طبعا مَثّلتُ الشركة في
عدة دول لأحقق نجاحاً تجارياً فاق كل تصوراتي ، من شهور قررتُ ايقاف كل نشاطاتي
والعودة لموطني الأصلي ، لنفس الدار التي ضمتني وأسرتي في نفس الزقاق الذي علَّمتك
فيه المغادرة والعودة لبيت اسرتك الملتصق لبيتي . نظمت الرحلة وفق محطات أتوقف
عندها ، أخرها كانت برشلونة ، لاستريح
قليلاً متفقدة في نفس الوقت بعض مصالحي التجارية فحصل ما حتم بقائي هنا، فيروس
كورونا القاطع سبل التنقل جوا وبحرا ، وبقدر ما حزنت عمَّنى السرور حينما اطلعت بالصدفة على مقالاتك
المتضمنة صورتك في أحد المواقع الالكترونية ، فكلفت مَن أوصلني لغاية بيتك لنتقاسم
معا الإنتظار ، نرحل بعده لمن اخذناها دوما محل أسمى اعتبار ، العزيزة تطوان
.
مصطفى منيغ
سفير السلام العالمي