2009/02/09

لن تحصدني لأني زرعتك

لن تحصدني لأني زرعتك 
تأليف : مصطفى منيــــغ 
 للنسيان ، متى شئنا ، خلاص وهروب مما عشنا مرحلة أو جزءا ضئيلا من عمر يطول أو يقصر لا فرق ، ومتى أدركنا بالفاعل، نضحك على أنفسنا ما دامت الذاكرة قادرة على استقراء ما كتب من أيام مرت علينا أو مررنا عليها بحلوها ومرها . نشيخ وما عدنا نستحمل صورة ما يتجول حيالنا أو بالقرب منا لأسباب عديدة ، منها ما يؤلمنا الإقرار به ، ومنها ما يجعلنا مسخرة تتحرك بلا أي اتجاه، وساعتها نتذوق عذوبة الماضي ونتعجب من سرعة حدوث ما حدث لنا ووقوفنا على الحقيقة المعكوسة كما كانت دوما بالنسبة لنا نحن الفارين من بهجة الدنيا ولعنتها أيضا لمعانقة أهداف شابة جديدة تغرينا للمشي الطويل حفاظا على الرشاقة دون أن ندري أن جسدنا لم يعد يحتمل ، فلو كنا كهؤلاء الذين احترمتهم دولهم المقدرة لحقوق الإنسان متى بلغ عمرا مشابها لعمرنا ، لمنحت لنا الفرصة لنتجول جولاتنا الأخيرة فوق أديم البسيطة قبل أن يضمنا ثراها وإلى يوم النشور، لكن هو الحظ الذي قذف بنا إلى حيث حرقنا طاقاتنا من أجل ضياع وقت ( حسبناه لمدة أننا ملأناه حينما أخلصنا للوطن وأدينا الأمانة على أحسن وجه ) نتعجب ممن لايكترث إلا بما حصدته يديه من غنائم وما عدا ذلك غباء متروك لمن كان على شاكلتنا مكرس على طبيعة الأحداث المصطنعة بحنكة ودراية تبتدئ كما تنتهي "مصلحة"تدر على صاحبها منفعة البقاء في نفس المقام ، جلس زيد أو عمرو قام. هو الاختيار اللامحسوب بدقة فرضته (لحد بعيد) تلك الوثبة من ضفة لأخرى ساهمنا كجيل في الانتقال إليها بغير تدريب لمواجهة صروف شغلتنا عقدا بعد آخر لنجد أنفسنا آخر المطاف أننا زرعنا وتعبنا ليحصد خيراتنا من حصد بغية اكتناز ما يقيه من إدراكنا للحقائق ، فلا نجد ساعتها غير مسلك حمل الشعارات الجوفاء في أوقات مخصصة لقيلولته داخل أماكن معزولة من ضجيج أصواتنا المجروحة بفوات الأوان ، ولا يبقى لنا إلا أن يجرفنا النسيان لنصبح "كان ياما كان" على ألسنة فلان وفلان مما سيضحك عليهما الزمان حيثما اكتشفا أن أبواق الخدمة بالمجان ، مصير نافخيها الخذلان فالهذيان وإتباع مصير مياه الوديان.
للنسيان نعم لا تقدر إلا بقيمة الراحة النفسية ولو مؤقتا ، جميل يفعل حينما يبعدنا عن تلك اللحظات التي لو قدر لنا تصحيحها لتوجهنا بها إلى نضال حقيقي تتوضح على مجراه الرؤية " حجر الزاوية " في حماسنا لنكون المثال الحي لمن أراد العيش وهو سيد نفسه في كل شيء، بدل صرف عرقه على أمال تائهة مع سياسة تكرس المزيد من رضوخ مبطن بآلاف الحكايات المروية بإتقان عجيب تقرب المسافات بين تخدير العقول ورفع الأيادي بالموافقة على أي شيء بلا مناقشة ما دام الزعيم قد وضع الخطة وأقرها وهو على أتم الاستعداد لينفذها متى اكتمل الديكور المصبوغة رسومه بموافقة الأقلية أو معارضة الأكثرية.
للنسيان حجاب سميك يقصي التفكر من متابعة مسافات التعمق بحثا عن دليل يقنع النفس بالعودة لمجرى ما فات سعيا خلف لحظات راحة من رتابة " الآني" وسخافة نتيجة اختزلت عمرا كاملا من التعب والكد والاجتهاد، حجاب ما اسعد البعض به وما اشقي البعض الثاني به أيضا . إن اقتحم من كان انتسابه للفريق الأول خيوطه بإصرار مكلف للغاية ، فذاك انتصار مغلف بالحسرة عما مضي آخر المطاف ، وإن وقف من كان من الثاني على حد التمعن في عنوان مدخل ستائره يبكي حظه التعيس، فالأجدر أن يشكر عقله الذي شاخ ونأى بصاحبه جانبا يلتمس حسن الختام بالتي هي أقوم وسط القوم. للنسيان بلسم متى مس الذاكرة أبعدها كي تظل مرتاحة لما أوصلتها إليه الشيخوخة من استرخاء يرفض صداع لحظة سعادة هائمة على وجهها منذ عقود على أمل الالتصاق من جديد (ولو مؤقتا) بوجدان إنسان انشغل بها ذات يوم من عمق تاريخ لم يعد يتحكم في مجراه وما يكتنزه ليوم الحساب الأكبر، وما ظن بعدها أنه واصل لطرق باب الحزن الذي ما إن فتح حتى ابتلعه ما بالداخل من إجهاد لاكتساب ما يقيه الخصاص. للنسيان غبار يتعالى تلقائيا بلا زوبعة ولا ضوضاء متى شاء إسعاف رجل من العودة ثانية إلى استحضار مواقف حكم عليها بالجوفاء لا تساوي رمشة عين من وقت ضائع بالأحرى ما عمر من أجلها من سنين انتهت إلى التمعن من جديد في جدوى وقائعها المشابهة لامرأة زينها اللباس والمساحيق والعطر السخي لتبدو حسناء فاتنة كل ليلة من ليالي الانصياع لسياسة الولاء للوطن لا يتم إلا بتقشف الأغلبية التاركة حفنة من البشر تتنعم في سخاء حتى تنتفخ في اقل رتبة منهم البطن ، ومتى طلع الفجر وانكسر الظلام ذابت بين القصور هنا أو هناك، والحناجر لا تكف على ترديد نشيد الغباء بلحن مكرر ملته الأسماع وما باليد حيلة فالمرحلة تتطلب مثل التصرف والمساكين حجبهم الولاء للوطن عن رؤية المستغلين الحقيقيين لهذا الوطن المظلوم مثل الأغلبية الصامتة لحد الساعة للنسيان بركة ظاهرة لمن ينفذ ببصيرته لوسط مسلك (من خصوصياته محدودية السماح بذلك) مفعم بالخير، محصن بالتقوى، مقوى بالإرادة الصلبة . بركة تنأى بالنفس النقية عن الندم والحسرة والقلق، وتقربها إلى الاحتفاظ أكثر فأكثر بقابلية التغيير من أجل استمرارية القيم النبيلة ، والأعمال النظيفة ،والتسجيل النير بما سطر فيه من حقائق أساسها منح النموذج الفاضل كسبب من أسباب تواصل الأجيال لنشر سماحة العقيدة كأسلوب لتعمير أزيد استقرارا وتلاحما مع وقائع الحياة كما أرادها الخالق وليس فلسفة مخلوق كيفما كان شأنه أو منصبه ضمن طليعة أقامها من ادعى الذكاء من عباد لا عمل لهم إلا استغلال المناسبات مهما كانت الوسائل المستعملة لإقرارها مواعيد تكرس حال بعض القضايا المضغوطة بمشاكل مفتعلة لا تبشر بنجاعة المآل . للنسيان شروط ثلاث بدءا بتنازل المنعم به عن كبرياء الأمس البعيد كالقريب على حد سواء حينما كان وحيثما تبوأ، فالتطلع لما بقي له من أنفاس يصرفها على التبرؤ في السر والعلن عما بدا منه لحظة كان يحسب له ألف حساب ،واختتاما بالاعتراف أن الدنيا بما فيها من متع وجمال لا تساوي رمشة عين من رضاء الضمير.
يتبع
Mustapha Mounirh

لن تحصدني لأني زرعتك . 2


ما جد في الجدة وجدة
بقلم : مصطفى منيغ
الحلقة الأولى

كنت ساعتها أدرك أن السياسة التي لا يفرق أصحابها رائحة البيض الفاسد عن رائحة الأقحوان سياسة آيلة لتصبح وبلا فائدة في خبر كان ، ومنذ ذاك التاريخ والعبد لله يعايش قفزات ظن أصحابها أنهم بها دخلوا أمجاد السرك المتنقل بين وجدة والرباط ، فكانت النتيجة أن تحولوا من أشباه للكواسر إلى صور متحركة رسمتها الأيادي المعلومة بالطباشير المتواضعة الجودة والثمن
قد تكون مدينة ما لعبت دورا حاسما في حياتك فترتبط بها ارتباط الخيال بأمنية لن تتحقق ومع ذلك تجر الأمل جرا لطيفا ليلازمك ولا تعبأ إن كان الدهر يسخر منك أو سيساعدك لتكتشف ذات يوم أنك أخطأت المكان حينما اخترت فيه المقام ، أم هي مجرد حكمة كلفك فهم مكنوناتها ما نزع من عمرك طيلة أعوام وأعوام .. هذا إن كان الحادث مرتبطا بمدينة ، أما بتخطيط أنت المسؤول عن بدئه فيها ، فذاك شأن آخر .. وأصعب الأمرين ثالث لا مناص من الاعتراف به مادام يفضح عواطفك حينما جرك التيار، لتنأى عن مرتع صباك وما استأنسها شبابك من ديار، لتصل إلى هاهنا وتنشد بسببها الاستقرار.
بالفعل كانت " وجدة " بشعبها أما حنونا على المغرب الشرقي الممتد " حاليا " من بني ونيف، الممزوجة بمدينة فجيج إلى " بور سعيد" المعانقة لمدينة " السعيدية " ، لكن ومنذ السبعينات انقلبت ( بسياستها) وهما أصاب ما حولها من أرياف وحواضر، اصطلح على تسميتها بالجهة ، وهم مشابه للسراب الذي كلما دنى منه الظمآن لجرعة من حرية يتلمسها أو ديمقراطية حقة ، أحس بقشعريرة اصطنعها لملاقاة كيانه الخوف قبل أن يتبدد كأنه ما كان سرابا بل صورة لشيء عكسته مرآة الواقع لحظة ثم هرب ، أو مجرد تخيلات تلازم الممعود بأكثر من لون ، لا خيرة فيها إلا ما تضاعفه من حزن يلحق أكبر عدد من المتضلعين في فهم الحقائق عساهم ينتهوا حيث زنزانات السجون المستعدة لاستقبالهم بكوا أو كانوا يضحكون.
كانت وجدة برجالها الأشاوس ونسائها الشريفات في الظواهر والأسس ، البسطاء منهم كالأثرياء ، كرم ، كلمة وتدبير ، نخوة وحياء ، قوة ، عزة وكبرياء ، فطنة وذكاء ، وبهذا ظلت حدودنا مصانة ، وسمعتنا كاللؤلؤ في الصفاء و اللمعان ، وما ينبعث منا من أقوال وأفعال يصل للطرف الآخر كشذى الأقحوان . كانت أحزاب معارضة بالفكر النظيف والصائب من الصواب ، كانت البرامج موضوعة هنا بالعقلية الوجدية ، والاختيارات الوجدية، وحسب الأولويات الوجدية ، لا كما أرادها زيد أو عمرو ألفا معا جو الرباط ، وكرنفال الرباط الناتج عن سياسة مهتمة بالمركز وليس بالبعيد من النقاط
الصورة : البطاقة الوطنية ل مصطفى منيغ في وجدة
كان الراحل عبد الرحمن حجيرة في فاتح ماي يصل حد بناية مقر العمالة ويصيح بكل قول صريح ، والسيد الدبي القدميري يطل عليه من شرفة مكتبه متأثرا لا يصدق أذنيه ولا عينيه الشاخصتين في السيل الهادر يسبقه صدى غضب الشعب الوجدي المتفجر. الذين يعرفون محمد الدبي القدميري(عامل إقليم وجدة السابق) يعرفون الأسلوب الذي كان زمانه متبع، وأيضا يفهمون عمق ما أود شرحه دون إطالة عن الموضوع. فأين عبد الرحمن حجيرة من تلك الأيام وقد تحمل مسؤولية جماعة يقال عنها ما يقال اليوم.؟
كان " بوكربيلا "ومن معه داخل حصان طروادة ، كأنهم في حالة يغلب عليها النضال بالأظافر والضفائر، في وقت ارتبط الآمن المحلي بالسيد محمد بناني . الذين عايشوا هذه المرحلة قطعا سيعرفون الكثير من الأسرار المتعبة منها والمريحة، وأسماء سادت ثم تكاد بالكاد تذكر، فما الذي تغير ؟.
كانت الإذاعة الجهوية ترحب بمن رغب فيه السيد عمر بن الأشهب متحملا المسؤولية في شجاعة نادرة ، وما تعرض له مع بعض عمال الإقليم المسيطرين آنذاك حتى على نغمات ناي مغبون، ينقله عبر الأثير الميكرفون ، أحسن دليل واسطع برهان أن وجدة زمان كانت مع الأصيل المبدع ، والفقيه الورع.
ساعتها أدركت أن السياسة التي لا يفرق أصحابها رائحة البيض الفاسد عن رائحة الأقحوان، سياسة آيلة لتصبح بغير فائدة في خبر كان، ومنذ ذلك التاريخ والعبد لله يعايش قفزات ظن أصحابها أنهم دخلوا أمجاد السرك المتنقل بين وجدة والرباط ، وكانت النتيجة أن تحولوا من أشباه للكواسر إلى رسوم متحركة رسمتها الأيادي المعلومة بالطباشير المتواضع الجودة والثمن ، ما تلمس أفكارهم حتى تخالها غبارا يتطاير ليصبح سرابا تفرع في إيحاءاته إلى ضباب يغري توابعهم بملازمة الاكتئاب، ويا حسرة على تلك الأحزاب التي مرغت سمعتها في التراب فغدت فروعها هنا في مدينة وجدة يتملص عنها أعضاؤها، كان القائمون عنها مخطئون أو على صواب ، فقد عر الزمان كل شيء بلا تردد، وأصبح الرأي العام الوجدي إلى معرفة المزيد من الحقائق مشدود . وامتثالا لهذه الغاية سأقص ما جرى منذ البداية، ولي في الاتكال على الله الحي القيوم التوفيق والهداية.
1/ الإعلام المحلـــــــــــــــي
كانت وجدة صامتة عن أي نشاط إعلامي محلي يعبر بجدية عما تختزنه من مواهب في مختلف المجالات ومنها الفكرية والثقافية بوجه خاص، بل وما رسخ فيها من إمكانات إبداعية لم تكن تقل عن نتاج فاس، أو تطوان، أو القصر الكبير ، أو الرباط، أو مراكش، إن لم نقل أنها تسير في خط موازي له، نثرا، وشعرا ،ومسرحا، وأدبا بكل تخصاصه . كانت وجدة صامتة إلى أن كسر هذا الصمت مصطفى منيغ بإصداره جريدة اختار لها اسم : "الحدث" . جريدة أرخت لنشأة الصحافة الجهوية بالمفهوم الإعلامي الهادف إلى خدمة الرأي العام المحلي والجهوي بما يسهل عليه التوجه في مواقفه المبنية على المعرفة الصحيحة لمجريات الأمور لنصرة من يستحق المناصرة، وأخذ الحيطة والحذر ممن يستوجب الفاعل. وهكذا عرف العدد الأول من جريدة " الحدث" النور في شهر ماي من سنة 1978 متضمنا افتتاحية عنوانها " المهم والاهم وأهم الأهم" ذكر فيها كاتبها مصطفى منيغ ما يلي:
ــ خدمة للكلمة النظيفة ، وتعاملا مع الفكر الخلاق ، نضع هذه الصفحات المتواضعة بين يديك عسى أن نخرج معا بصحيفة همها الأوحد ثقافة مبسطة للتعامل اليومي بين أفراد المجتمع ككل من جهة ، ولنعبر عن أحاسيسنا بلغة وجدان ينأى في تحركاته عن الأفكار المستوردة ، لتأتي الصورة وفق ما ورثناه من تراث حضاري لا يحصى إلا بالعمل الجاد المثمر البعيد عن الميل الأعمى لتقليد خرافات لا تناسب التاريخ الطويل الذي جمع أمجادنا وقيمنا ومواقفنا البطولية في قالب مميز طبع على جبين كل مغربي ارتبط اسمه بهذه الأرض الطيبة التي حباها الله سبحانه وتعالى بمناهل عرفت على مر الأحقاب والعصور بمنارات يشع منها نور العلم والعرفان . هذه في كلمات فلسفتنا في العمل ، فمن أحب المشاركة فالباب على مصراعيه مفتوح.
مصطفى منيغ
وجدة : ماي1978