2006/12/08


حقوق الإنسان من المنظور الإسلامي
بقلم الأستاذ: فؤاد منيغ
الجزء الأول
فكرة حقوق الإنسان " بمفهومها الحالي ارتبطت في نشأتها وبلورتها بالفكر السياسي الحديث في الغرب عند نهاية القرن الثامن عشر وبخاصة مع الثورة الفرنسية . وبالتدريج أخذت تغزو باقي الثقافات إلى تقبلتها ونادت بها لتكتسي صبغة عالمية وشمولية.
هذا الانتشار لثقافة حقوق الإنسان في فضاءات ثقافية غير غربية تطلب من هذه الأخيرة إطفاء نوع من الشرعية الثقافية عليها وإيجاد أصول ثقافية ودينية لها ، وذلك لتجذ ير مفاهيم حقوق الإنسان فيها أولا و لإثبات قدرتها على الاستجابة لمتطلبات الواقع السياسي المعاصر.
في المحيط الإسلامي تكاثرت الاجتهادات في العقود الأخيرة لإبراز الأصول الإسلامية لحقوق الإنسان فتمت عدة دراسات توجت بوثائق و نصوص نذكر منها :
ـ مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان ،الذي أعد في إطار جامعة الدول العربية بناءا على قرار اتخذه مجلس الجامعة عام 1970 و هو المشروع الذي يستلهم, سواء في صيغته الأولى التي لم تر النور, أو في صيغته الثانية التي تم إعدادها من طرف نفس اللجنة عام 1985 , أهم مبادئ الشريعة الإسلامية مع الاستناد إلى العناصر الأساسية في الشرعة الدولية.
ـ إعلان حقوق الإنسان و واجباته في الإسلام الصادر عن رابطة العالم الإسلامي سنة 1971.
ـ مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الذي قدم إلى مؤتمر القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الطائف في يناير 1979.
ـ البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن المجلس الإسلامي الأوروبي في لندن عام 1980.
ـ البيان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن المجلس الإسلامي الأوروبي في لندن سنة 1981.
ـ مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الذي قدم إلى المؤتمر الخامس لحقوق الإنسان في طهران في دجنبر عام 1989.
في جل هذه المواثيق يبقى التوفيق بين حقوق الإنسان كما هي واردة في المواثيق الدولية و أصولها في الثقافة الإسلامية هو الفكرة الأساسية, حتى أن بعض الدراسات ترى في المواثيق التي تفتخر بها أوروبا الغربية ليست مجرد حقوق بل واجبات في نظر الإسلام, حيث شرع لها لأزيد من 14 قرنا, و أحاطها بضمانات , و
أسس مبادئ مجتمع قائم على ضمان هذه الحقوق, أي المساواة المطلقة بين الناس, لا تمييز فيه بين الأفراد و لا فضل لأحد فيه على آخر, على أساس الأصل أو الجنس أو اللون أو العنصر أو اللغة أو الدين. كما ورد في خطبة الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله عليه السلام: << لا فضل لعربي على عجمي , و لا لعجمي على عربي, و لا لأحمر على أسود, ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى >>.
إن في آيات القرآن الكريم, و في نصوص الحديث الشريف, و في السيرة النبوية, و في سلوكات و أقوال الخلفاء الراشدين ما يشكل مدونات عديدة و متكاملة لحقوق الإنسان. وفي هذا الصدد, فقد أورد ـ البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان ـ المعلن عنه في مقر اليونسكو بباريس سنة 1981 أربعا و عشرين حقا من حقوق الإنسان الأساسية مدعومة بنصوص من القرآن الكريم و السنة النبوية. والحقوق المذكورة هي:
حق الحياة, حق الحرية, حق العدالة حق الفرد في محاكمة عادلة, حق الحماية من تعسف السلطة, حق الحماية من التعذيب, حق المشاركة في الحياة العامة, حق حرية التفكير و الاعتقاد و التعبير, حق الحرية الدينية, حق الدعوة و البلاغ, الحقوق الإقتصادية, حق بناء الأسرة, حقوق الزوجة, حق التربية, حق الفرد في حماية خصوصياته, حف حرية الارتحال و الإقامة.
من هنا يستفاد أن هذه الحقوق هي ذات مصدر إلهي لا بشري, شرعها الخالق سبحانه, فليس من حق أحد أيا كان, الاعتداء عليها أو تعطيلها, و كذلك إقرارها يبقى السبيل الصحيح لإقامة مجتمع إسلامي حقيقي. أما الهدف الأساسي لهذه النصوص فهو إبراز معالم نظرية حقوق الإنسان في الإسلام و أثبات تفوقه في هذا الباب و سبقه إلى إقرارها حتى و إن لم يكن تطبيقها واقعيا في كل الأحوال. يتبع